الناس في بلدى

الناس فى بلادى جارحون كالصقور

غناؤهم كرجفة الشتاء ، فى ذؤابة الشجر

و ضحكهم يئز كاللهيب فى الحطب

خطاهمو تريد ان تسوخ فى التراب

و يقتلون ، يسرقون ، يشربون ، يجشئون

لكنهم بشر

و طيبون حين يملكون قبضتى نقود

و مؤمنون بالقدر

Thursday, October 28, 2010

من كتاب فلسفة الثورة للزعيم : جمال عبد الناصر - 2


 ثورة الجيش  -  يوليو1952

 


" و أكثر من هذا ، لم يكن الأصدقاء هم الذين تحدثوا معى عن مستقبل وطننا فى فلسطين ، و لم تكن التجارب هى التى قرعت أفكارنا بالنذر و الاحتمالات عن مصيره ، بل أن الأعداء أيضا لعبوا دورهم فى تذكيرنا بالوطن و مشاكله  ...

و منذ أشهر قليله قرأت مقالات كتبها عنى ضابط اسرائيلى اسمه "  يردهان كوهين  " و نشرتها له جريدة "   جويشن أوبزرفر   " ، و فى هذه المقالات روى الضابط اليهودى كيف التقى بى أثناء مباحثات و اتصالات عن الهدنة، و قال :  " لقد كان الموضوع الذى يطرقه جمال عبد الناصر معى دائما ، هو كفاح اسرائيل ضد الانجليز ، و كيف نظمنا حركة مقاومتنا السرية لهم فى فلسطين ، و كيق استطعنا أن نجند الرأى العام فى العالم وراءنا فى كفاحنا ضدهم "

ثم ان هذا اليوم  - اليوم الذى اكتشقت بذور الثورة فى نفسى – أبعد من حادث 4 فبراير سنة 1942 الذى كتبت بعده خطابا الى صديق قلت له فيه : 
"  ما العمل بعد أن وقعت الواقعة  و قبلناها مستسلمين خاضعين ؟؟
" الحقيقة أننى أعتقد أن الاستعمار يلعب بورقة  واحدة فى يده بقصد التهديد فقط و لكن لو أنه أحس أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم و يقابلون القوة بالقوة  لانسحب كأى امرأة من العاهرات ......
و طبع هذه حاله ، أو تلك عادته ...

اما نحن ، اما الجيش ، فقد كان لهذا الحادث تأثير جديد على الروح و الاحساس فيه ، فبعد ان كنت ترى الضباط لا يتكلمون الاعن الفساد و اللهو ، أصبحوا يتكلمون عن التضحية و الاستعداد لبذل النفوس فى سبيل الكرامة ، و أصبحت تراهم و كلهم ندم لأنهم لم يتدخلوا – مع ضعفهم الظاهر – و يردوا للبلد كرامتها ، و يغسلوها بالدماء ، و لكن " ان غدا لناظره قريب " ......
لقد حاول البعض بعد الحادث  أن يعملوا شيئا بغية الانتقام ، و لكن الوقت كان قد فات ، اما  القلوب فكلها نار و أسى ....

و الواقع أن هذه الحركة  ....... أن هذه الطعنة ، ردت الروح الى بعض الأجساد ، و عرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها ، و كان هذا درسا قاسيا ...
و كذلك فان هذا اليوم أبعد فى حياتى من الفوران الذى عشت فيه أيام كنت طالبا أمشى مع المظاهرات الهاتفة بعودة دستور سنة 1923 – و قد عاد الدستور بالفعل -  فى سنة 1935 ...

و أيام كنت أسعى مع وفود الطلبة ، الى بيوت الزعماء نطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر ، و تألفت الجبهة الوطنية سنة 1936 بالفعل على أثر هذه الجهود .

و أذكر اننى فى فترة الفوران هذه كتبت خطابا الى صديق من أصدقائي ، قلت فيه ، و كان تاريخه  2 سبتمبر سنة 1935 :
"
أخى ...
" خاطبت والدك يوم 30 أغسطس فى التليفون ، و قد سألته عنك فأخبرنى انك موجود فى المدرسة ........"
لذلك عولت على أن أكتب اليك ما كنت سأكلمك فيه تليفونيا ...
قال الله تعال : (   و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة .......  )
فأين تلك القوة التى نستعد بها لهم ؟؟؟؟ "
ان الموقف اليوم دقيق  ، و  مصر فى موقف  أدق ...... و نحن نكاد نودع الحياة ، و نصافح الموت ، فان بناء اليأس عظيم الأركان ، فأين من يهدم هذا البناء       ..................؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)

Friday, October 8, 2010

" من كتاب فاسفة الثورة للزعيم جمال عبد الناصر" 1-

ثورة الجيش
يوليو سنة 1952







محاولات ثورية سابقة

لست أريد أن أدعى لنفسى مقعد أستاذ التاريخ....
ذاك آخر ما يجرى به خيالى...
و مع ذلك فلو حاولت محاولة تلميذمبتدىء , فى دراسة قصة كفاح شعبنا ,فانى سوف أقول مثلا ان ثورة 23 يوليه هى تحقيق للأمل الذى راود شعب مصر , منذ بدأ فى العصر الحديث يفكر فى أن يكون حكمة بأيدى أبنائه , و فى أن تكون له نفس الكلمة العليا فى مصيره :

لقد قام بمحاولة لم تحقق له الأمل الذىتمناه , يوم تزعم السيد عمر مكرم حركة تنصيب محمد على وليا على مصر , باسم شعبها

و قام بمحاولة لم تحقق له الأمل الذى تمناه , يوم حاول عرابى أن يطالب بالدستور..

و قام بمحاولات متعددة, لم تحقق له الأمل الذى تمناه , فى فترة الغليان الفكرى التى عاشها بين الثورة العرابية و ثورة1919 سنة

وكانت هذه الثورة الأخيرة(ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول)محاولة اخرى لم تحقق له الأمل الذى تمناه.

أسباب مباشرة لا دوافع حقيقية .....

و ليس صحيحا أن ثورة 23 يوليو قامت بسبب نتائج التى أسفرت عنها حرب فلسطين....
و ليس صحيحا كذلك أنها قامت بسبب الاسلحة الفاسدة التى راح ضحيتها جنود وضباط....
و أبعد من ذلك عن الصحة ما يقال من ان السبب كان ازمة انتخبات نادى ضباط الجيش
انما الامر فى رأيىكان ابعد من هذا و اعمق أغوارا.
و لو كان ضباط الجيش حاولوا أن يثوروا لانفسهم لانه قد غرر بهم فى فلسطين , او لان فضيحةالاسلحة الفاسدة أرهقت أعصابهم , او لان اعتداء وقع على كرامتهم فى انتخابات نادى ضباط الجيش , لما كان الامر يستحق ان يكون ثورة و لكان اقرب الاشياء الى وصفه بانه مجرد تمرد , حتى و ان كانت الاسباب التى ادت اليه منصفة عادلة فى حد ذاتها ....
لقد كانت هذه كلها أسبابا عارضة........
و ربما كان اكبر تاثيرلها انها كانت تستحثنا على الاسراع فى طريق الثورة و لكننا من غيرها نسير على هذا الطريق.

بذور الثورة

و أنا أحاول اليوم , بعد كل ما مر بى من أحداث , و بعد سنوات طويلة من بدء التفكير فى الثورة , ان اعود بذاكرتى و اتعقب اليوم الاول الذى اكتشفت فيه بذورها فى نفسى .

ان هذا اليوم أبعد فى حياتى من أيام شهر نوفمبر 1951 ، أيام ابتداء أزمة نادى الضباط ، ففى ذلك الوقت كان تنظيم الضباط الأحرار قائما يباشر عمله و نشاطه ،بل انا لا أغالى اذا قلت ان أزمة نادى الضباط أثارها – أكثر من أى شيء آخر – نشاط الضباط الأحرار ، فقد شئنا فى ذلك الوقت أن ندخل معركة نجرب فيها قوتنا على التكتل و التنظيم .

و هذا اليوم – فى حياتى أيضا – أبعد من فضيحة الأسلحة الفاسدة ، فقد كان تنظيم الضباط الأحرار موجودا قبلها ، و كانت منشوراتهم أول نذير بتلك الماساة ، وكان نشاطهم وراء تلك الضجة التى قامت حول الأسلحة الفاسدة.

بل أن هذا اليوم فى حياتى أبعد من يوم 16 مايو 1948 ذلك اليوم الذى كان بداية حياتى فى حرب فلسطين.


ذكريات من فلسطين

و حين أحاول الآن أن أستعرض تاريخ تجاربنا فى فلسطين ، أجد شيئا غريبا ، فقد كنا نحارب فى فلسطين ، و لكن أحلامنا كانت كلها فى مصر .

كان رصاصنا يتجه الى العدو الرابض أمامنا فى خنادقه ، و لكن قلوبنا كانت تحوم حول وطننا البعيد الذى تركناه للذئاب ترعاه ..

و فى فلسطين كانت خلايا الضباط الأحرار تدرس و تبحث و تجتمع فى الخنادق و المراكز .
فى فلسطين جائنى صلاح سالم و زكريا محى الدين ، و اخترقا الحصار الى الفالوجة ، و جلسنا فى الحصار لا نعرف له نتيجة و لا نهاية ، و كان حديثنا الشاغل وطننا الذى يتعين علينا أن نحاول انقاذه ....

وفى فلسطين جلس بجوارى مرة كمال الدين حسين و قال لى وهو ساهم الفكر و شارد النظرات : هل تعلم ماذا قال لى أحمد عبد العزيز قبل أن يموت ؟
قلت : ماذا قال ؟
قال كمال الدين حسين – وفى صونه نبرة عميقة و فى عينيه نظرة أعمق : لقد قال لى : اسمع يا كمال ، ان ميدان الجهاد الأكبر هو فى مصر ....


بذور الثورة تنمو

و لم ألتق فى فلسطين بالأصدقاء الذين شاركونى فى العمل من أجل مصر ، و انما ألتقيت أيضا بالأفكار التى أنارت أمامى السبيل .

و أنا أذكر أيام كنت أجلس فى الخنادق و أسرح بذهنى الى مشاكلنا ..

كانت الفالوجة محاصرة ، و كان تركيز العدو عليها ضربا بالمدافع و الطيران تركيزا هائلا مروعا .

و كثيرا ما قلت لنفسي : ها نحن أولاء فى هذه الجحور محاصرين ، لقد غرر بنا ، دفعنا الى معركة لم نعد لها ، لقد لعبت بأقدارنا مطامع و مؤمرات و شهوات ، و تركنا هنا تحت النيران بغير سلاح .

و حين كنت أصل الى هذا الحد من تفكيرى ، كنت أجد خواطرى تقفز فجأة عبر ميادين القتال ، و عبر الحدود الى مصر ، و أقول لنفسي :
 هذا هو وطننا هناك ، انه فالوجة أخرى على نطاق كبير .... ان الذى يحدث لنا هنا صورة من الذى يحدث هناك ... صورة مصغرة ... وطننا هو الآخر حاصرته المشاكل و الاعداء و غرر به .... 
و دفع الى معركة لم يعد لها ، و لعبت بأقداره مطامع و مؤامرات و شهوات ، و ترك هناك تحت النيران بغير سلاح !!!!!!!!