يقع جامع أحمد بن طولون في ميدان أحمد بن طولون بحي السيدة زينب، وهو ثالث مساجد مصر الإسلامية، و أقدم جامع احتفظ بتخطيطه وكثير من تفاصيله المعمارية الأصلية ، حيث كان أول مساجد مصر جامع عمرو بن العاص و الذي بنى في الفسطاط عام 21 هـ ( 642م) و لكنه شهد تغيرات عديدة على مر العصور، أما ثاني مساجد مصر (العسكر) والذي بُني عام 169 هجريا (785/ 86م ) ، فلم يبق له أى أثر
استغرق بناء الجامع عامين فقط، وهي مدة قليلة مقارنة بالجهد المعماري المبذول فيه، وهو عبارة عن مربع، تبلغ مساحته ستة فدادين ونصف، يتوسطه صحن مكشوف تصل مساحته إلي فدانين، تحيط به من جوانبه الأربعة أروقة مسقوفة
.
.
تم تشييد الجامع بالطوب الأحمر وتغطيه طبقة سميكة من الملاط، تعلوها طبقة أخرى بيضاء من الجص بها زخارف جميلة محفورة. أما شرفات هذا الجامع فهي فريدة في طرازها، حيث تبدو وكأنها أفراد متراصين يمسكون بأيدي بعضهم البعض، في إشارة إلي أن المسلمين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وفي وسط صحن الجامع توجد فُسقية للوضوء تعلوها قبة جديدة أقلّ فنًا من القبة الأصلية التي كانت مقامةً على عشرة أعمدةٍ مرمريّةٍ، حيث لم تكن هذه الفسقية موجودة في البناء الأصلي للجامع وإنما كانت نافورة غير مخصصة للوضوء تعلوها قبة لكنها احترقت عام 986م.
أما مئذنة الجامع فهى من طراز معماري فريد فى العمارة الاسلامية فى مصر، إذ تقع خارج الجامع، تم بنائها من الحجر الرّملي، و تتألف من قاعدة مربعة تقوم عليها ساق أسطوانية يلتف حولها من الخارج سلم دائري لولبى عرضه 90 سم، ويعلو الساق الأسطوانية للمئذنة طابقان مثمنان تتوسطهما شرفة بارزة تحملها مقرنصات، وهذان الطابقان المثمنان من الطراز المعمارى الشائع في عصر المماليك ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض نحو 40.44 متراً، وهي تماثل مئذنة جامع سامراء، المدينة التي ولد فيها أحمد بن طولون بالعراق.
وتربط المئذنة بحائط المسجد الشمالي الغربي قنطرة على عقدين من نوع حدوة الفرس ، اما واجهة المسجد الخارجية فهي مأخوذة من تصميم واجهة جامع عمرو بن العاص.
قصة بناء الجامع
باني جامع بن طولون هو حاكم مصر من قبل الخليفة العباسي أحمد بن طولون مؤسس أول دولة إسلامية في مصر تستقل عن الخلافة العباسية عام 868م.
ويوجد بالرواق الشرقي جزء من لوحة رخامية تضمنت اسم المنشئ وتاريخ إنشاء المسجد مكتوبة بالخط الكوفي
وحول تاريخ الجامع يقول المؤرخ الشهير المقريزي في كتابه "الخطط" : رأي أحمد بن طولون في منامه كأن الله تعالى قد تجلى ووقع نوره على المدينة التي حول الجامع (مدينة القطائع عاصمة الدولة الطولونية) إلا الجامع فانه لم يقع عليه من النور شئ فتألم بن طولون وقال: والله ما بنيته إلا لله خالصا ومن المال الحلال. فقال له أحد مفسري الأحلام : هذا الجامع يبقي ويخرب كل ما حوله لأن الله قال " فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا" فكل شئ يقع عليه جلال الله عز وجل لا يثبت.
ويقص علينا المقريزي رؤيا أخري لابن طولون أنه لما فرغ من بنائه رأى في منامه كأن نارا نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله، فلما أصبح قص رؤياه فقيل له : أبشر بقبول الجامع، لأن النار كانت في الزمان الماضي إذا قبل الله قربانا نزلت من السماء أخذته، مثلما قص علينا القرآن في قصة قابيل وهابيل.
اما مصمم الجامع فكان نصرانيا من أهل مصر هو سعيد بن كاتب الفرغانى ، وكان معمارى شهير و قدير بنى للأمير أحمد بن طولون عين ماء ، ثم حدث بعدها أن غضب عليه بن طولون وقذف به في "المطبق" وهو أحد السجون المرعبة الذى قيل أنه شهد وفاة أكثر من 18 ألف إنسان !! ، وحينما أراد ابن طولون بناء مسجده قدر له البنائيين 300 عمود ، وقيل له ما تجدها إلا بالاستيلاء علي أعمدة الكنائس في الأرياف والضياع الخراب. رفض بن طولون الفكرة وتعذب قلبه بالفكر في أمره، فبلغ سعيد بن كاتب الفرغانى الأمر فأرسل إلي بن طولون أنه يستطيع أن يبنيه كما يريد الأمير ، و هكذا خرج الفرغاني من السجن و بدأ بناء الجامع الذى خصص له بن طولون ميزانية تقدر بـ 100 ألف دينار.. وحينما فرغ الفرغانى من البناء عفي عنه بن طولون، وأمر له بعشرة آلاف دينار، وأجري عليه الرزق الواسع إلي أن مات.
و تقول رواية أخرى أن ابن طولون قال للمهندس القبطى (اريد مسجد إذا احترقت مصر بقى وإذا غرقت بقى)، و أريده أن يبنى بمال حلال .
و لهذا بنى المهندس الجامع بالطوب الأحمر القاتم حتى لا يحترق و بناه على ربوة عالية فى مكان كان يسمى جبل يشكر لحمايته من فيضان النيل، وهو مكان مشهور باجابة الدعاء، وقيل أن موسى عليه السلام ناجي ربه عليه بكلمات علي حسب ما يقول المقريزي في كتابه "الخطط" .
ويبدو أن أحمد بن طولون كان مخلصا فى بناءه لهذا الجامع لوجه الله ، فقد الله أراد أن يبقى هذا المسجد شاهدا على أهمية اخلاص النية فقد صمد فلم يغرق فى الفيضانات ، و يقال ان نقود ابن طولون نفذت أثناء بناء الجامع و لكنهم وجدوا كنزا من الأموال الكثيرة أثناء الحفر فأتموا بها بناء المسجد ، وفى أواخر عهد الدولة الطولونية فى مصر ضعفت مصر فأرسل الخليفة العباسى المكتفى بالله جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب فجاءإلى مصر وتقدم متجها إلى الفسطاطوأستولى عليها ثم أتجه إلى القطائع وأحرقها عام 292ه - 904م ودمرتها النار وحولتها إلى خرائب وأطلال، ولم يتبق منها سوى جامع أحمد بن طولون
والجدير بالذكر أن هذا المسجد كان يدرّس فيه علوم الطب والفلك والفقه، وعلوم اللغة العربية، جنبا الى جنب مع علوم الدين.
No comments:
Post a Comment